فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {ومنْ يُؤْمِنْ بِالله ويعْملْ صالِحا يُدْخِلْهُ جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تحْتِها الأنْهارُ خالِدِين فِيها أبدا قدْ أحْسن الله لهُ رِزْقا}.
أفرد الضمير في هذه الآية في قوله: {يؤمن} وقوله: {يعمل} وقوله: {يدخله} وقوله، وجمع في قوله: {خالدين}.
والجواب أن الإفراد باعتبار لفظ من والجمع باعتبار معناها وهو كثير في القرآن العظيم.
وفي هذه الآية الكريمة رد على من زعم أن مراعاة المعنى لا تجوز بعدها مراعاة اللفظ لأنه في هذه الآية راعى المعنى في قوله: {خالدين} ثم راعى اللفظ بعد ذلك في قوله: {قد أحسن الله له رزقا}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الطلاق:
{يا أيُّها النّبِيُّ إِذا طلّقْتُمُ النِّساء فطلِّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ وأحْصُوا الْعِدّة واتّقُوا الله ربّكُمْ}
قوله: {إِذا طلّقْتُمُ}
فيه أوجهٌ:
أحدُها: أنه خطابٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ الجمع تعظيما كقوله:
فإنْ شِئْتِ حرّمْتُ النساء سواكمُ ** وإن شِئْتِ لم أطْعمْ نُقاخا ولا برْدا

الثاني: أنه خطابٌ له ولأمّته والتقدير: يا أيها النبيُّ وأمّته إذا طلّقْتُمْ فحذف المعطوف لدلالةِ ما بعده عليه، كقوله:
.................. إذا حذْفتْه رِجْلُها

أي، ويدُها، وتقدّم هذا في سورة النحل عند {تقِيكُمُ الحر} [النحل: 81]. الثالث: أنه خطابٌ لأمّتِه فقط بعد ندائِه عليه السلام، وهو مِنْ تلوينِ الخطابِ خاطب أمته بعد أنْ خاطبه. الرابع: أنّه على إضمارِ قول، أي: يا أيها النبيُّ قُلْ لأمتك: إذا طلّقتْم. الخامس: قال الزمخشري: خصّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بالنداء وعمّ بالخطابِ؛ لأنّ النبيّ إمامُ أمّتِه وقُدْوتُهم، كما يُقال لرئيس القومِ وكبيرِهم: يا فلانُ افعلوا كيت وكيت اعتبارا بتقدُّمِه وإظهارا لترؤُّسه. في كلامٍ حسنٍ، وهذا هو معنى القول الثالثِ الذي قدّمْتُه.
وقوله: {إِذا طلّقْتُمُ}، أي: إذا أردْتُمْ كقوله: {إِذا قُمْتُمْ إِلى الصلاة} [المائدة: 6] {فإِذا قرأت القرآن} [النحل: 98] وتقدّم تحقيقُ ذلك.
قوله: {لِعِدّتِهِنّ} قال الزمخشري: مُسْتقْبِلاتٍ لِعِدّتهن، كقولك: أتيتُه لليْلةٍ بقِيتْ من المحرّم. أي: مُسْتقبلا لها، وفي قراءة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «في قُبُل عِدّتِهِنّ» انتهى. وناقشه الشيخ في تقديره الحال التي تعلّق بها الجارُّ كونا خاصا. وقال: الجارُّ إذا وقع حالا إنما يتعلّق بكونٍ مطلقٍ. وفي مناقشتِه نظرٌ لأنّ الزمخشري لم يجْعل الجارّ حالا بل جعله متعلِّقا بمحذوف دلّ عليه معنى الكلامِ. وقال أبو البقاء: لِعِدّتِهِنّ، أي: عند أول ما يُعْتدُّ لهنّ به، وهُنّ في قُبُل الطُّهْر. وهذا منه تفسيرُ معنى لا تفسيرُ إعرابٍ. وقال الشيخ: هو على حذْفِ مضاف، أي: لاستقبالٍ عِدّتِهِن، واللامُ للتوقيت نحو: لقِيْتُه لليْلةٍ بقِيْت مِنْ شهرِ كذا. انتهى. فعلى هذا تتعلّقُ اللامُ بـ: {طلِّقُوهن}.
قوله: {لعلّ الله} هذه الجملة مستأنفةٌ لا تعلُّق بما لها بما قبلها؛ لأنّ النحاة لم يعُدُّوها في المُعلِّقات. وقد جعلها الشيخ. مما ينْبغي أنْ يُعدّ فيهنّ، وقرّر ذلك في قوله: {وإِنْ أدْرِي لعلّهُ فِتْنةٌ لّكُمْ} [الأنبياء: 111] فهناك يُطْلبُ تحريرُه.
{فإِذا بلغْن أجلهُنّ فأمْسِكُوهُنّ بِمعْرُوفٍ أوْ فارِقُوهُنّ بِمعْرُوفٍ وأشْهِدُوا ذويْ عدْلٍ مِنْكُمْ وأقِيمُوا الشّهادة لله ذلِكُمْ يُوعظُ بِهِ منْ كان يُؤْمِنُ بِالله والْيوْمِ الْآخِرِ ومنْ يتّقِ الله يجْعلْ لهُ مخْرجا (2)}
وقرأ العامّةُ: {أجلهُنّ}: لأنّ الأجل من حيث هو واحدٌ وإنْ اختلفتْ أنواعُهُ بالنسبةِ إلى المعتدّات. والضحاك وابن سيرين {آجالهُنّ} جمع تكسير، اعتبارا بأنّ أجل هذه غيرُ أجلِ تيْك.
{ويرْزُقْهُ مِنْ حيْثُ لا يحْتسِبُ ومنْ يتوكّلْ على الله فهُو حسْبُهُ إِنّ الله بالِغُ أمْرِهِ قدْ جعل الله لِكُلِّ شيْءٍ قدْرا (3)}
قوله: {بالِغُ أمْرِهِ}: قرأ حفص {بالغُ} مِنْ غير تنوين، {أمرِه} مضافٌ إليه على التخفيفِ. والباقون بالتنوينِ والنصبِ وهو الأصلُ خلافا للشيخ. وقرأ ابن أبي عبلة وداود بن أبي هند وأبو عمروٍ في روايةٍ {بالغٌ أمرُه} بتنوين {بالغٌ} ورفْع {أمْرُه} وفيه وجهان، أحدُهما: أنْ يكون {بالغٌ} خبرا مقدما، و{أمْرُه} مبتدأٌ مؤخرٌ. والجملة خبرُ (إن) والثاني: أنْ يكون {بالغٌ} خبر (إن) و{أمْرُه} فاعلٌ به. وقرأ المفضّلُ {بالغا} بالنصب، {أمْرُه} بالرفع. وفيه وجهان، أظهرهما: وهو تخريج الزمخشري أنْ يكون {بالغا} نصبا على الحال، و{قدْ جعل الله} هو خبرُ (إن) تقديرُه: إن الله قد جعل لكلِّ شيءٍ قدْرا بالغا أمْرُه. والثاني: أنْ يكون على لغةِ منْ ينْصِبُ الاسم والخبر بها، كقوله:
...................................... ** إنّ حُرّاسنا أُسْدا

ويكون {قد جعل} مستأنفا كما في القراءة الشهيرةِ. ومنْ رفع {أمْرُه} فمفعولُ {بالغ} محذوفٌ تقديره: ما شاء. وجناح بن حبيش {قدرا} بفتح الدال.
{واللائِي يئِسْن مِن الْمحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتبْتُمْ فعِدّتُهُنّ ثلاثةُ أشْهُرٍ واللائِي لمْ يحِضْن وأُولاتُ الْأحْمالِ أجلُهُنّ أنْ يضعْن حمْلهُنّ ومنْ يتّقِ الله يجْعلْ لهُ مِنْ أمْرِهِ يُسْرا (4)}
قوله: {واللائي يئِسْن}: قد تقدّم الخلافُ فيه، وأبو عمروٍ يقرأ هنا {واللايْ يئِسْن} بالإِظهار، وقاعدتُه في مثلِه الإِدغامُ، إلاّ أنّ الياء لمّا كانتْ عنده عارضة لكونِها بدلا مِنْ همزةٍ، فكأنه لم يجتمعْ مِثلان. وأيضا فإنّ سكونها عارضٌ، فكأنّ ياء {اللاي} محرّكةٌ، والحرف ما دام متحركا لا يُدْغمُ في غيرِه وقرأ: {يئِسْن} فعلا ماضيا، وقرئ {ييْئسْن} مضارعا. و{مِنْ المحيض مِنْ نسائكم} {مِنْ} الأولى لابتداءِ الغاية، وهي متعلِّقةٌ بالفعل قبلها، والثانيةُ للبيان، متعلِّقة بمحذوف و{اللائي} مبتدأ، و{فعِدّتُهُنّ} مبتدأ ثانٍ، {وثلاثةُ أشهر} خبرُه، والجملة خبرُ الأولِ، والشرطُ معترضٌ، وجوابُه محذوف. ويجوزُ أنْ يكون {إنِ ارْتبْتُم} جوابُه {فعِدّتُهُنّ ثلاثةُ أشْهُرٍ}، والجملة الشرطيةُ خبرُ المبتدأِ، ومتعلّقُ الارتيابِ محذوفٌ فقيل: تقديرُه: إنِ ارْتبْتُمْ في أنها يئِستْ أم لا لإِمكانِ ظهورِ حمْلٍ. وإن كان انقطع دمُها. وقيل: إنِ ارتبْتُمْ في دمِ البالغاتِ مبْلغ اليأسِ: أهو دمُ حيضٍ أم استحاضةٍ؟ وإذا كان هذا عِدّة المرتابِ فيها فغيرُ المرتابِ فيها أوْلى، وأغربُ ما قيل: إنّ {إنْ ارتبْتُمْ} بمعنى تيقّنْتُم فهو من الأضداد.
قوله: {واللائي لمْ يحِضْن} مبتدأٌ، خبرُه محذوفٌ. فقدّروه جملة كالأول، أي: فعدّتُهنّ ثلاثةُ أشهرٍ أيضا، والأوْلى أن يقدّر مفردا، أي: فكذلك، أو مِثْلهنّ ولو قيل: بأنّه معطوف على {اللائي يئِسْن} عطْف المفرداتِ، وأخبر عن الجميع بقوله: {فعِدّتُهنّ} لكان وجها حسنا. وأكثرُ ما فيه توسُّطُ الخبرِ بين المبتدأ وما عُطِف عليه، وهذا ظاهرُ قول الشيخ: {واللائي لمْ يحِضْن} معطوف على قوله: {واللائي يئِسْن} فإعرابُه مبتدأ كإعراب {واللائي}.
قوله: {وأُوْلاتُ الأحمال} متبدأ و{أجلُهُنّ} مبتدأ ثانٍ و{أن يضعْن} خبره والجملة خبر الأول، أي: وضْع حمْلهن. ويجوز أنْ يكون {أجلُهنّ} بدل اشتمال مِنْ {أُولات} و{أنْ يضعن} خبر المبتدأ. والعامّةُ على إفرادِ {حمْلهنّ} والضحاك {آجالُهُنّ} جمع تكسير.
{ذلِك أمْرُ الله أنْزلهُ إِليْكُمْ ومنْ يتّقِ الله يُكفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ ويُعْظِمْ لهُ أجْرا (5)}
قوله: {ويُعْظِمْ}: هذه قراءة العامّةِ مضارع أعْظم، وابن مقسم {يُعظِّمْ} بالتشديد مضارع عظّم مشددا. والأعمش {نُعْظِم} مضارع أعْظم، وهو التفاتٌ مِنْ غيْبةٍ إلى تكلُّمٍ.
{أسْكِنُوهُنّ مِنْ حيْثُ سكنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ولا تُضارُّوهُنّ لِتُضيِّقُوا عليْهِنّ وإِنْ كُنّ أُولاتِ حمْلٍ فأنْفِقُوا عليْهِنّ حتّى يضعْن حمْلهُنّ فإِنْ أرْضعْن لكُمْ فآتُوهُنّ أُجُورهُنّ وأْتمِرُوا بيْنكُمْ بِمعْرُوفٍ وإِنْ تعاسرْتُمْ فستُرْضِعُ لهُ أُخْرى (6)}
قوله: {مِنْ حيْثُ سكنتُم}: فيه وجهان، أحدُهما: أنّ {منْ} للتبعيض. قال الزمخشري: مُبعّضُها محذوفٌ معناه: أسْكنوهنّ مكانا مِنْ حيث سكنْتُمْ، أي: بعض مكانِ سُكْناكم، كقوله تعالى: {يغُضُّواْ مِنْ أبْصارِهِمْ} [النور: 30]، أي: بعض أبصارِهم. قال قتادة: إن لم يكنْ إلاّ بيتٌ واحدٌ أسْكنها في بعضِ جوانبه. والثاني: أنها لابتداء الغاية قاله الحوفي وأبو البقاء. قال أبو البقاء: والمعنى: تسبّبُوا إلى إسكانِهِنّ من الوجه الذي تُسْكِنون أنفسكم. ودلّ عليه قوله: {مِنْ وُجْدِكم}، والوُجْدُ: الغِنى.
قوله: {مِّن وُجْدِكُمْ} فيه وجهان، أحدُهما: أنه بدلٌ مِنْ قوله: {مِنْ حيثُ} بتكريرِ العاملِ، وإليه ذهب أبو البقاء كأنه قيل: أسْكنوهن مِنْ سعتكم. والثاني: أنه عطف بيان لقوله: {مِنْ حيْثُ سكنتُم}، وإليه ذهب الزمخشري، فإنه قال بعد أن أعرب {مِنْ حيث} تبعيضية كما تقدّم: فإن قلت: وقوله: {مِنْ وُجْدِكم}؟ قلت: هو عطفُ بيانٍ لقوله: {مِنْ حيْثُ سكنتُم} ومُفسِّرٌ له كأنه قيل: أسْكِنوهنّ مكانا مِنْ مساكنكم مما تُطيقونه.
والوُجْدُ الوُسْع والطاقةُ. وناقشه الشيخ: بأنّه لم يُعْهدْ في عطفِ البيان إعادةُ العاملِ، إنما عُهد هذا في البدلِ، ولذلك أعربه أبو البقاء بدلا. والعامّة {وُجْدِكم} بضمِّ الواو، والحسن والأعرج وأبو حيوة بفتحِها، والفياضُ بن غزوان وعمرو بن ميمون ويعقوب بكسرِها، وهي لغاتٌ بمعنى. والوجْدُ بفتح الواو: الحُزْنُ أيضا، والحُبُّ، والغضب.
قوله: {وأْتمِرُواْ} افْتعِلوا مِنْ الأمْر يقال: ايتمر القومُ وتآمروا، أي: أمر بعضُهم بعضا. وقال الكسائيُّ: ائتمروا: تشاوروا وتلا قوله تعالى: {إِنّ الملأ يأْتمِرُون بِك} [القصص: 20] وأنشد قول امرِئِ القيس:
......................... ** ويعْدُوْ على المرْءِ ما يأتْمِرْ

قوله: {فستُرْضِعُ} قيل: هو خبرٌ في معنى الأمْر. والضمير في {له} للأبِ كقوله: {فإِنْ أرْضعْن لكُمْ}، والمفعولُ محذوفٌ للعِلْمِ به، أي: فسترضعُ الولد لوالدِه امرأةٌ أخرى. والظاهرُ أنه خبرٌ على بابِه.
{لِيُنْفِقْ ذُو سعةٍ مِنْ سعتِهِ ومنْ قُدِر عليْهِ رِزْقُهُ فلْيُنْفِقْ مما آتاهُ الله لا يُكلِّفُ الله نفْسا إِلّا ما آتاها سيجْعلُ الله بعْد عُسْرٍ يُسْرا (7)}
قوله: {لِيُنفِقْ} هذه قراءة العامّةِ، أعني كسْر اللامِ وجزم المضارعِ بِها. وحكى أبو معاذ القارئ {لِيُنْفِق} بنصب الفعل على أنها لامُ كي نصب الفعل بعدها بإضمار {أنْ} ويتعلّقُ الحرفُ حينئذٍ بمحذوفٍ، أي: شرعْنا ذلك لِيُنْفِق. وقرأ العامّة {قُدِر} مخففا. وابن أبي عبلة {قدّر} مشددا.
{وكأيِّنْ مِنْ قرْيةٍ عتتْ عنْ أمْرِ ربِّها ورُسُلِهِ فحاسبْناها حِسابا شدِيدا وعذّبْناها عذابا نُكْرا (8)}
قوله: {عتتْ عنْ أمْرِ ربِّها}: ضُمِّن معنى أعْرض، كأنه قيل: أعْرضتْ بسببِ عُتُوِّها. وقوله: {فحاسبْناها} إلى آخره كلُّه في الآخرة، وأتى به على لفظِ المُضِيِّ لتحقُّقِه. وقيل: العذاب في الدنيا فيكونُ على حقيقتِه و{أعدّ الله} تكريرٌ للوعيدِ وتوكيدا. وجوّز الزمخشري أنْ يكون {عتتْ} وما عُطِف عليه صفة ل {قريةٍ} ويكونُ الخبرُ ل {كأيِّنْ} الجملة مِنْ قوله: {أعدّ الله} فعلى الأول يكونُ الخبرُ {عتتْ} وما عُطِف عليه.
{أعدّ الله لهُمْ عذابا شدِيدا فاتّقُوا الله يا أُولِي الْألْبابِ الّذِين آمنُوا قدْ أنْزل الله إِليْكُمْ ذِكْرا (10)}
قوله: {الذين آمنُواْ}: منصوبٌ بإضمار أعْني بيانا للمنادي، أو يكون عطف بيان للمنادِي أو نعتا له، ويضْعُفُ كونُه بدلا لعدمِ حُلولِه المبدلِ منه.
{رسُولا يتْلُو عليْكُمْ آياتِ الله مُبيِّناتٍ لِيُخْرِج الّذِين آمنُوا وعمِلُوا الصّالِحاتِ مِن الظُّلُماتِ إِلى النُّورِ ومنْ يُؤْمِنْ بِالله ويعْملْ صالِحا يُدْخِلْهُ جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تحْتِها الْأنْهارُ خالِدِين فِيها أبدا قدْ أحْسن الله لهُ رِزْقا (11)}
قوله: {رّسُولا}: فيه أوجهٌ، أحدُها وإليه ذهب الزجّاج والفارسي أنه منصوبٌ بالمصدرِ المنونِ قبله؛ لأنه ينْحلُّ لحرفٍ مصدري وفعلٍ، كأنه قيل: أن ذكر رسولا، والمصدرُ المنوّنُ عاملٌ كقوله تعالى: {أوْ إِطْعامٌ فِي يوْمٍ ذِي مسْغبةٍ يتِيما} [البلد: 14] وقوله:
بضرْبٍ بالسيوفِ رؤوس قوْمٍ ** أزلْنا هامهُنّ عن المقيلِ

الثاني: أنّه جُعِل نفسُ الذِّكْرِ مبالغة فأُبْدِل منه.
الثالث: أنّه بدلٌ منه على حذْفِ مضافٍ مِنْ الأول تقديرُه: أنزل ذا ذكرٍ رسولا. الرابع: كذلك، إلاّ أنّ {رسولا} نعت لذلك المحذوف.
الخامس: أنه بدلٌ منه على حذْفِ مضافٍ مِنْ الثاني، أي: ذِكْرا ذِكْر رسول.
السادس: أنْ يكون {رسولا} نعتا ل ذِكْرا على حذْفِ مضاف، أي: ذِكْرا ذا رسولٍ، ف (ذا رسول) نعتٌ لذِكْر. السابع: أنْ يكون {رسولا} بمعنى رسالة، فيكون {رسولا} بدلا صريحا مِنْ غير تأويل، أو بيانا عند منْ يرى جريانه في النكراتِ كالفارسيِّ، إلاّ أنّ هذا يُبْعِدُه قوله: {يتْلُو عليكم}، لأنّ الرسالة لا تتْلوا إلاّ بمجازٍ، الثامن، أنْ يكون {رسولا} منصوبا بفعلٍ مقدر، أي: أرسل رسولا لدلالةِ ما تقدّم عليه. التاسع: أنْ يكون منصوبا على الإِغراء، أي: اتبِعوا والزمُوا رسولا هذه صفتُه.
واختلف الناس في {رسولا} هل هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو القرآن نفسُه، أو جبريلُ؟ قال الزمخشري: هو جبريلُ عليه السلام. أُبْدِل مِنْ {ذِكْرا} لأنه وُصِف بتلاوةِ آياتِ الله، فكأنّ إنزاله في معنى إنزالِ الذِّكْرِ فصحّ إبدالُه منه. قال الشيخ: ولا يصِحُّ لتبايُنِ المدلوليْنِ بالحقيقة، ولكونِه لا يكون بدل بعضٍ ولا بدل اشتمال. انتهى. وهذا الذي قاله الزمخشريُّ سبقه إليه الكلبيُّ. وأمّا اعتراضُه عليه فغيرُ لازمٍ لأنه إذا بُوْلِغ فيه حتى جُعِل نفس الذِّكْر كما تقدّم بيانُه. وقرئ {رسولٌ} على إضمار مبتدأ، أي: هو رسول.
قوله: {لِّيُخْرِج} متعلِّقٌ إمّا بـ: {أنْزل}، وإمّا بـ: {يتْلو} وفاعِلُ {يُخْرِج}: إمّا ضميرُ الباري تعالى المنزِّل، أو ضميرُ الرسولِ، أو الذِّكرِ، و{منْ يُؤْمِنْ} هذا أحدُ المواضعِ التي رُوْعي فيها اللفظُ أولا، ثم المعنى ثانيا، ثم اللفظُ آخِرا، وقد تقدّم ذلك في المائِدة. وقد تأوّل بعضُهم هذه الآية وقال: ليس قوله: {خالدين} فيه ضميرٌ عائدٌ على {منْ} إنما يعود على مفعولِ {يُدْخِلْه}، و{خالدين} حالٌ منه، والعاملُ فيها {يُدْخِلْه} لا فِعْلُ الشرطِ. هذه عبارةُ الشيخِ، وفيها نظرٌ؛ لأنّ {خالدين} حالٌ مِنْ مفعول {يُدْخِلْه} عند القائلين بالقول الأول، وكأنّ إصلاح العبارة أنْ يقال: حالٌ مِنْ مفعولِ {يُدْخِلْه} الثاني، وهو {جناتٍ} والخلودُ في الحقيقةِ لأصحابِها، وكان ينبغي على رأي البصريين أن يقال: خالدين هم فيها، لجريان الوصفِ على غير منْ هو له.
قوله: {قدْ أحْسن الله} حالٌ ثانيةٌ، أو حال مِنْ الضمير في {خالدين} فتكونُ متداخلة.
{الله الّذِي خلق سبْع سماواتٍ ومِن الْأرْضِ مِثْلهُنّ يتنزّلُ الْأمْرُ بيْنهُنّ لِتعْلمُوا أنّ الله على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ وأنّ الله قدْ أحاط بِكُلِّ شيْءٍ عِلْما (12)}
قوله: {مِثْلهُنّ}: العامّةُ بالنصب، وفيه وجهان، أحدُهما: أنه عطفٌ على {سبْع سماواتٍ} قاله الزمخشري. واعترض الشيخُ بلزومِ الفصْلِ بين حرفِ العطفِ، وهو على حرفٍ واحدٍ، وبين المعطوف بالجارِّ والمجرورِ، وهو مختصٌّ بالضرورةِ عند أبي عليّ. قلت: وهذا نظيرُ قوله: {آتِنا فِي الدنيا حسنة وفِي الآخرة حسنة} [البقرة: 201] عند ابنِ مالك، وقد تقدّم تحريرُ هذا الخلافِ في البقرة والنساء وهود عند قوله: {وإِذا حكمْتُمْ بيْن الناس} [النساء: 58]، {ومِن وراءِ إِسْحاق يعْقُوب} [هود: 71].
والثاني: أنه منصوبٌ بمقدّر بعد الواوِ، أي: وخلق مثلهُنّ من الأرضِ. واختلف الناس في المِثْلِيّة، فقيل: مِثْلُها في العدد. وقيل: في بعض الأوصاف فإنّ المِثْلِيّة تصْدُقُ بذلك، والأول هو المشهورُ. وقرأ عاصم في رواية {مثلُهُنّ} بالرفع على الابتداء والجارُّ قبله خبرُه.
قوله: {يتنزّلُ} يجوزُ أنْ يكون مستأنفا، وأن يكون نعتا لِما قبله، وقاله أبو البقاء. وقرأ أبو عمروٍ في روايةٍ وعيسى {يُنزِّل} بالتشديد، أي: الله، {الأمر} مفعولٌ به، والضميرُ في {بينهنّ} عائد على السماوات والأرضين عند الجمهور، أو على السماوات والأرض عند منْ يقول: إنها أرضٌ واحد.
قوله: {لتعلموا} متعلقٌ بـ: {خلق} أو بـ: {يتنزّل} والعامّةُ {لتعلموا} خطابا، وبعضُهم بياء الغيْبة. اهـ.